إسمه ونسبه
هو الإمام الأكبر والكنز الأفخر، من وجده وجد الكبريت الأحمر، ومن صحبه نال العز الأكبر، الساطعة شمسه في سماء الحقيقة، ووارث سر الذات، والمؤيد بنور الصفات، صاحب الهمة العالية والأخلاق المرضية والعلوم المصطفوية، الختم الأحمدي والمظهر المحمدي سيدي محمد فوزي الكركري رضي الله عنه. يتصل نسبه الطيني بمن لولاه ما ظهر موجود (صلى الله عليه وسلم)، فهو شريف إدريسي من جهة الجدود، وإلى باب مدينة العلم يعود، ومن معدن المصطفى يغترف حقائق الشهود، فقد اختار له الحق أشرف الأنساب، وزاده كرامة بأن جعل له به انتساب، فأتم عليه نعمة النسبتين المحمدية والإلهية.
ولادته ونشأته
وقد سعد به الكون عند ظهوره فيه يوم الأربعاء عام 1394(من هجرة جده ومحبوبه الأعظم صلى الله عليه وسلم)، الموافق ل 1974 من ميلاد المسيح ابن مريم عليه السلام، بقبيلة تمسمان المعروف أهلها بالشجاعة والإيمان، والواقعة بريف المغرب، فأمضى فيها طفولته وصباه، وكان حال صغره متسما بالجد في كل شؤونه، لا البطالة تقرب ساحته، ولا الكسل يحوم حوله، كما جبل الله عليه كل صبي، فنشأ نشأة عادية في كنف والدين كريمين، وكانت لوائح التخصيص تنثر عليه طيبها في هذا الوقت المبكر، فكان يرى الرؤيا الصالحة، فتقع له في الملك كما رآها متمثلة في الملكوت.
أوصافه الجسدية
ليس بالطويل ولا بالقصير، أبيض مُشرب بحمرة، جميل الوجه ترى في عينه بريقا عجيبا، يأسرك بنظراته، فكم من مرة يلتقي بصري مع بصره الشريف فأشعر بقشعريرة تسري في جسدي كله، وربما وصلت إلى عيني تلك القشعريرة فتساقطت قطرات من الدموع منها، ترى الأنوار على وجهه، لا تخفى على ذي بصيرة، وكل من رآه هابه، ومن خالطه أحبه، نظيف الثياب، قد ترك أجود ثيابه واختار لبس المرقعة.
شخصيته
إن اللسان ليعجز أن يعبر عن أخلاق هذا الإمام الكبير، وإن الكلمات مهما ارتقت معانيها فلن تستطيع أن تصف ذرة واحدة من شيمه وفضائله رضي الله عنه. فكيف لك أن تصف عبدا ارتفعت همته عن الكونين، وغض بصره عن سوى مقصده، فلا مقام يستهويه، ولا كرامة يتشوف لها، وإنما همه الوحيد الله ولا شيء غير الله. فكثيرا ما أسمعه يقول: «لو جاءني رجل ومعه الملائكة الأربعة الكبار، لما هز ذلك فيّ شعرة واحدة، بل سأقول له: جئت مع المخلوق فأين الخالق بينكم؟».
أخلاقه
لقد رأينا من صور تواضعه رضي الله عنه الشيء الكثير، حيث تجد شيخنا قدس الله سره يخدم ضيوفه بيده، ويخدم نفسه بيده، فكم من مرة جلست معه على مائدة الطعام، ولم يكن الماء موجودا، فيقوم بنفسه لإحضاره، دون أن يأمرني بذلك، ولو فعل لوجدت ذلك في قلبي أحلى من العسل، كما أنك لا تميزه رضي الله عنه بين تلامذته بلباس أو مأكل، فتجده يلبس المرقع ويأكل ما وجد دون أن يشترط.
علمه وحاله
إنه رضي الله عنه حقيقة العلم في عصرنا، وذلك لأنه وارث ختمية الاسم الأعظم المكنون، يتكلم بلسان عال في المعارف، لا يفهمه على حقيقته إلا من كان مثله، ويستخرج من الشيء الصغير أشياء كبيرة، وإذا بدأ يتحدث عن الحرف الواحد يأتي فيه بمعان كثيرة، حتى يتحير السامع من كثرة علمه، ويكفي أنه منذ اعتلى منصة المشيخة، وهو يتحدث عن هاء اسم الجلالة، وفي كل مرة يأتي بالفهوم البديعة والمعاني الدقيقة، ولسان حاله يقول: «خذوا عني ما شئتم فعلمي متصل برسول الله صلى الله عليه وسلم، فكم أيها المريد تستطيع أن تحمل من الأسرار والأنوار؟ فأنا لا أتعب…إلا إن تعبت أنت».
عبادته ومجاهدات
إنه رضي الله عنه في هذا الشأن بقية السلف الصالح، وجوهرة فريدة انضافت إلى من عرف بحقيقة الاتباع ومجاهدة النفس، فتجده متبعا للسنة في أقواله وأفعاله وأحواله حريصا عليها، يحض عليها أصحابه وأهله. ولقد أذاق نفسه مرارة المجاهدة، فقام الليل كله وصام الوصال، فكان يقطع صيامه بالماء أو التراب حيث يضع ريقه في أصبعه فيأخذ به التراب، وكان يمشي مسافات طويلة على الأقدام وهو يذكر الله…
طريقته ومنهاج تربيته
لا أدعي أنني أستطيع أن أصف طريقته ومنهاج تربيته، وأنا في أوحال النفس غارق، فأحسن أعمالي مغشوشة، وأفضل نياتي مدخولة، وإنما سأحاول أن أصف طريقته بلسانه، مع اعتقادي الجازم أن الشيخ هو من حدد أصول الطريقة، ووضع منهاجها، فيستطيع أن يغيرها في كل وقت، ولقد لاحظت هذا في مدة صحبتي إياه، حيث اختلفت تربيته لمريديه في البداية عن الوقت الراهن، ولاحظت كيف يتعامل مع كل مريد على حدة وبما يناسبه، لنعلم أنه مجدد وليس مقلدا، إذ لو كان مقلدا لما غير شيئا من منهاج شيوخه. فطريقته رضي الله عنه تجمع بين السلوك والجذب، ونعني بالجذب جذب القلب بأنوار الحبيب إلى حضرة المحبوب، وهو جذب لا يشعر به الفقير، لأنه جذب خفيف مصحوب بعناية اللطيف.
من كراماته
إن الكرامة الحقيقية هي المتابعة الكاملة لسيد الوجود صلى الله عليه وسلم، فيكون العبد على سنته في الظاهر والباطن، قولا وفعلا وحالا. فمن هذا المورد يشرب شيخنا، ومن هذا المنبع يغترف، وكل من اتصف بحقيقة المتابعة، إلا وألقت عليه بهجتها، وظهرت على جوارحه خوارقها تأييدا له، رغم أن شيخنا رضي الله عنه دائم العكوف في عش العبودية، إلا أن البحر لابد أن ترتطم أمواجه على اليابسة، فمن كراماته أنك تدخل عليه، ونفسك تحدثك بشيء، فتجده يخبرك به أثناء كلامه ويبين لك المخرج منه. ومنها: أنك تسمع منه الحديث والآية، فتجد في قلبك علوما وفهوماً لم تكن عندك من قبل، من غير إعمال فكر، بل بمجرد بركة أنفاس الشيخ عند إيراده تلك الأحاديث والآيات.